بسم الله الرحمن الرحيم


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد فإليك عزيزي القارئ بعض من الفوائد النافعة بإذن الله والتي بها نفيد ونستفيد فأسأل الله عز وجل أن يتقبلها مني قبولا حسنا وأن يجعلها خالصه لوجهه الكريم


الاثنين، 2 أغسطس 2010

فوائد من سورة يوسف الآية (2) من كتاب: «إتحاف الإلف» للشيخ سليم الهلالي وآخرين

{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون}[يوسف:2]
8/2 - اللسان العربي أوسع الألسنة وأفصحها.
قال الإمام الشافعي:
“ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها، حتى يكون موجوداً فيها من يعرفه.
والعلم به عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه: لا نعلم رجلاً جمع السنن؛ فلم يذهب منها عليه شيء.
فإذا جُمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن، وإذا فُرّق علم كل واحد منهم: ذهب عليه الشيء منها، ثم كان ما ذهب عليه موجوداً عند غيره.
وهم في العلم طبقات: منهم الجامع لأكثره، وإن ذهب عليه بعضه. ومنهم الجامع لأقل مما جمع غيره.
وليس قليل ما ذهب من السنن على من جمع أكثرها: دليلاً على أن يُطلب علمه عند غير أهل طبقته من أهل العلم، بل يطلب عند نظرائه ما ذهب عليه، حتى يؤتى على جميع سنن رسول الله، بأبى هو وأمي، فيتفرَّد جملة العلماء بجمعها. وهم درجات فيما وعوا منها.
وهكذا لسان العرب عند خاصتها وعامتها: لا يذهب منه شيء عليها، ولا يطلب عند غيرها، ولا يعلمه إلا من قبله عنها، ولا يشركها فيه إلا من اتبعها في تعلمه منها، ومن قبله منها؛ فهو من أهل لسانها”(1).
قال البقاعي:
“وهذه الآية تدل على أن اللسان العربي أفصح الألسنة، وأوسعها، وأقومها، وأعدلها؛ لأن من المقرر: أن القول؛ وإن خص بخطابه قوم يكون عاماً لمن سواهم” (2).
وقال جمال الدين القاسمي:
“وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها ، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس”(3).
9/2 - لغة العرب أشرف اللغات.
قال ابن كثير:
“فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدىء إنزاله في أشرف شهور السنة، وهورمضان؛ فكمل من كل الوجوه”(4).
10 /2 - لا يمكن فهم القرآن الكريم إلا بمعرفة لسان العرب، ولذلك ينبغي على المسلمين على اختلاف ألسنتهم تعلم لغة القرآن؛ لفهمه وتدبره وتلاوته.
قال الإمام الشافعي:
“فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير، وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك.
وما ازداد من العلم باللسان، الذي جعله الله بلسان من ختم به نبوته، وأنزل به آخر كتبه: كان خيراً له. كما عليه أن يتعلم الصلاة والذكر فيها، ويأتي البيت وما أمر بإتيانه، ويتوجه لما وجه له، ويكون تبعاً فيما افترض عليه وندب إليه، لا متبوعاً.
وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره: لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحدٌ جهل سعة لسان العرب، وكثرة وجوهه، وجماع معانيه وتفرقها. ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها.
فكان تنبيه العامة على أن القرآن نزل بلسان العرب خاصة: نصيحة للمسلمين. والنصيحة لهم فرض لا ينبغي تركه، وإدراك نافلة خير لا يدعها إلا من سفه نفسه، وترك موضع حظه. وكان يجمع مع النصيحة لهم قياماً بإيضاح حق. وكان القيام بالحق ونصيحة المسلمين من طاعة الله. وطاعة الله جامعة للخير”(5).
قال العلمي:
“بفضل كون القرآن عربياً، أصبحت اللغة العربية بعد الإسلام، لغة الدين والدولة والعلم، وما يتفرع عن هذه الأصول الثلاثة، من فروع جمة؛ كالأدب والتجارة والفن.
وقد رجح الإمام الشافعي في “الأم”(6) وجوب تعميم اللغة العربية، ووجوب تعلمها على كل مسلم؛ ليفهم القرآن الكريم، الذي هو أصل الدين… ولقد كان الصّحابة الكرام، ومن اهتدى بهديهم من الفاتحين، يلقنون الناس الدين على وجه يبعثهم على تعلم العربية من أنفسهم، ولذلك لم يمض على انتشار الإسلام في بلاد الروم والفرس وبلاد أفريقيا وغربي أوروبا، زمن يسير، حتى علت اللغة العربية، على لغات هذه الأمم، بل نسختها كما تنسخ آية النهار آية الليل، من غير مدارس ولا معلمين، ينصرفون إلى تعليم اللغة، وما كان انتشار اللغة بهذه السرعة، إلا بوازع نفسي يفعل ما لا تفعل السياسة والمدارس، وما أوقف هذا السير؛ إلا ضعف الدول العربية، ووثوب الأعاجم على عروشها، وإفتاء علماء الأعاجم بجواز العبادة وقراءة القرآن وأذكار الصلاة باللغات الأعجمية...(7).
إن نمو الإسلام في القلب، وفهم ما جاء به من الحكم والمعارف، التي ترقي النوع البشري، يتوقف على معرفة العربية حق المعرفة…
أنزل الله القرآن بلسان العرب، وخاطبهم فيه بما يعرفون، وبما يفهمون؛ فهو وحي من الله إليهم مباشرة…
وأما الأمم الأخرى التي تأخذ القرآن عن العرب؛ فلا بد لهم من معرفة اللغة العربية تدريجياً، وكذا معرفة أحوال العرب وعاداتهم وتاريخهم وإصلاحاتهم، حتى يتيسر لهم فهم القرآن على حقيقته، وبعد ذلك فهم غير محتاجين لشيء أخر”(8).
11 /2 - إثبات علو الله على خلقه واستواءه على عرشه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
“والذي يجب القطع به: أن الله ليس كمثله شيء في جميع ما يصف به نفسه، فمن وصفه بمثل صفات المخلوقين في شيء من الأشياء؛ فهو مخطىء قطعاً؛ كمن قال: إنه ينزل؛ فيتحرك، وينتقل؛ كما ينزل الإنسان من السطح إلى أسفل الدار؛ كقول من يقول: إنه يخلو منه العرش؛ فيكون نزوله تفريغاً لمكان وشغلاً لآخر؛ فهذا باطل يجب تنزيه الرّبّ عنه .
وهذا هو الذي تقوم على نفيه وتنزيه الرب عنه الأدلة الشرعية والعقلية؛ فإن الله –سبحانه وتعالى- أخبر أنه الأعلى، وقال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:1].
فإن كان لفظ العلو لا يقتضي علو ذاته فوق العرش؛ لم يلزم أن يكون على العرش.
وحينئذ؛ فلفظ النزول ونحوه يتأول قطعاً إذ ليس هناك شيء يتصور منه النزول.
وإن كان لفظ العلو يقتضي علو ذاته فوق العرش؛ فهو –سبحانه- الأعلى من كل شيء؛ كما أنه أكبر من كل شيء.
فلو صار تحت شيء من العالم؛ لكان بعض مخلوقاته أعلى منه، ولم يكن هو الأعلى، وهذا خلاف ما وصف به نفسه.
وأيضاً؛ فقد أخبر: أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش؛ فإن لم يكن استواؤه على العرش يتضمن أنه فوق العرش؛ لم يكن الاستواء معلوماً، وجاز حينئذ أن لا يكون فوق العرش شيء؛ فيلزم تأويل النزول وغيره .
وإن كان يتضمن أنه فوق العرش؛ فيلزم استواؤه على العرش، وقد أخبر أنه استوى عليه لما خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وأخبر بذلك عند إنزال القرآن الكريم على محمد × بعد ذلك بألوف من السنين، ودل كلامه على أنه عند نزول القرآن مستو على عرشه؛ فإنه قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}[الحديد:4]”(9)
12 /2 - بعث محمد × الرسول العربي إلى النّاس كافة .
قال العلمي:
“إن جملة {قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} لا تشير إلى أن النبي لم يبعث لغير العرب..لا..حاشا وكلا.. ولكن المراد: أن العرب في الأصل، وهم متى عقلوا القرآن وفهموه أمكنهم أن يُفهموه لغيرهم من الأمم، قال-تعالى-:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين}[الجمعة:2]، وقال: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُون}[البقرة:151]؛ فالنبي يُعَلِّم قومه العرب ويزكيهم بالقرآن، ويعلمهم الكتاب والحكمة وهم ينشرون دعوته، ويبثون حكمته في الأمم، فيفتح الله لهم المشرق والمغرب ، وينقل الله بهم الأمم والشعوب، من حال إلى حال أعلى وأرقى، ينقلونهم من الوثنية والعبودية والذلة والظلم وفساد الأخلاق وقلة الآداب والجهل ، إلى التوحيد والحرية والعزة والعدل والآداب والفضائل والعلم وثمراته.
إذاً؛ فالصحابة –وأكثرهم عرب- هم رسل محمد × إلىالأمم والشعوب، التي تجتمع بالنبي × وأكثرهم عجم، وهذا يذكرنا بما كان من رسل المسيح عيسى- عليه السلام-؛ كما قال –تعالى-:{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُون * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُون}[يس:13-14]”(10).
13 /2 - وصف القرآن بأنه بلسان عربي مبين يمنع ترجمته.
قال العلمي:
“إن مقاصد الإسلام العلمية، جمع البشر على دين واحد، ولغة واحدة؛ لتكتمل وحدتهم، وتتحقق أخُوَّتهم، ولذلك منعت ترجمة القرآن الكريم، على تقدير حسبان الترجمة قرآناً، فيحتم بقاؤه عربياً، ويجب شروع كل مؤمن في تعلم اللغة العربية، كما كان الحال كذلك، أيام صاحب الرسالة، والخلفاء الراشدين، بل وفي أيام دولة الأمويين والعباسيين، ولولا الصدمات السياسية التي صدمت الإسلام ، لظل أهل فارس ومن يجاورهم إلى هذا الزمن، ينطقون بالعربية؛ كما كانوا في القرون الأولى للإسلام، بل لكانت بلاد الهند والأفغان والترك وجزء عظيم من بلاد الصين، يحسنون التفاهم باللغة العربية، كبلاد سوريا ومصر لهذا العهد، ولكان الإسلام سياج من الوحدة لا يخرق(11).
وههنا مسألتان:
إحداهما: ترجمة القرآن إلى لغة أعجمية؛ أي: التعبير عن معانيه بألفاظ أعجمية، يفهمها الأعجمي دون العربي.
والثانية: كتابة القرآن العربي، بحروف غير عربية.
وكلا المسألتين غير جائز، نعم إن المنع هو فيما إذا ترجم القرآن، وحسبت الترجمة قرآناً، وأما إذا ترجم بقصد جعله وسيلة للدعوة إلى الإسلام، أو بقصد إفهام من لم يمكنه تعلم اللغة العربية، فلا بأس بذلك.
قال ابن تيمية في كتابه: “العقل والنقل”: “وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم؛ فليس بمكروه إذا احتيج إلى ذلك وكانت المعاني صحيحة، كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعُرْفهم، فإن هذا جائز حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم تحتج إليه، ولهذا قال النبي × لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص- وكانت صغيرة ولدت بأرض الحبشة؛ لأن أباها كان من المهاجرين إليها-: “يا أمّ خالد سنا”(12)، والسنا بلسان الحبشة : الحسن؛ لأنها كانت من أهل هذه اللغة، ولذلك يترجم القرآن والحديث لمن يحتاج إلى تفهمه إياه بالترجمة، وكذلك يقرأ المسلم ما يحتاج إليه من كتب الأمم وكلامهم بلغتهم، ويترجم بالعربية؛ كما أمر النبي × زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود(13)؛ ليقرأ له، ويكتب له ذلك، حيث لم يأتمن اليهود عليه”(14).
14/2- العرب مادة الإسلام.
العرب في الأصل متى عقلوا الإسلام وفهموا القرآن أمكنهم أن ينقلوه لغيرهم من أمم الأرض؛ ولذلك ينبغي عليهم حمله والقيام به، فإن عجزوا عن ذلك؛ فغيرهم أعجز.
قال معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-: “والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم × ؛ لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به”(15).
ولذلك فـ “إن من تكريم الله لهذه الأمة أن أنزل القرآن الكريم بلغة العرب، وذلك أن اللغة العربية استوعبت المعاني والمبادىء والقيم التي جاء بها الإسلام، فكانت نعم الوعاء لهذا الفكر(16) الرباني العظيم، ومن ثم كان العرب أولى الناس بأن يعقلوا القرآن ويهتدوا به، وكل من تعلم العربية؛ فهو قادر على فهم القرآن وتدبر آياته واجتلاء حكمه”(17).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق